الجمعة، 20 سبتمبر 2013

الاغتسالُ بماءِ الرُّقيةِ الشَّرعِيَّةِ في دَوْرَاتِ المِيَاهِ..


هَلْ يَجُوزُ الاغتسالُ بماءِ الرُّقيةِ الشَّرعِيَّةِ, وَوُصُوله إلى العَوْرَة؟

وهَلْ يَجُوزُ أنْ يُهْرَاقَ في أَمَاكِن الخَلَاءِ (دَوْرَاتِ المِيَاهِ)؟







إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ونسْتَهديه وَنَتُوبُ إليهِ, وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا, مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ, وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ, وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, وَبَعْدُ:


فإنِّي أَكْتُبُ في هَذا الموضُوعِ لِكَثْرةِ مَا طُرِحَتْ عليَّ هَذِهِ الأَسْئِلةِ: هَلْ يَجُوزُ الاغتسال بماءِ الرُّقيةِ الشَّرعِيَّةِ, وَوُصُوله إلى العَوْرَة؟ وهَلْ يَجُوزُ أنْ يُهْرَاقَ في أَمَاكِن الخَلَاءِ (دَوْرَاتِ المِيَاهِ)؟

فَأَمَّا القِراءَة عَلى الماءِ فهي ثَابِتَةٌ, حَيْثُ تُقرأُ الرُّقيةُ الشَّرعِيَّةُ عَلَى الماءِ الطَّاهِرِ, وَيَنفثُ بالماءِ, وكَذلكَ شُرب هذا الماء والاغتسال بهِ, ومِن أَدِلةِ مَشرُوعِية ذَلِكَ:


*عَنْ عَليٍّ بنِ أبي طَالِبٍ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "بينا رسولُ اللهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذاتَ ليلةٍ يُصلِّي، فَوَضَعَ يدَهُ عَلى الأرضِ، فَلَدَغتهُ عَقرَبٌ، فَناوَلها رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بِنَعلِهِ فَقَتَلَهَا، فَلمَّا انْصَرفَ قَالَ: لَعَنَ اللهُ العَقربَ، مَا تَدعُ مُصَلياً ولا غيرَهُ (أو نبياً أو غيرَهُ)، ثمَّ دَعَا بملحٍ وَمَاءٍ، فَجَعلهُ في إناءٍ، ثمَّ جَعَلَ يَصبُّهُ على أصبعِهِ حَيثُ لَدغَتهُ وَيَمسحُهَا، وَيعوِّذُهَا بالمعوِّذتينِ (يقرأُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُوْنَ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوْذُ بِرَبِّ النَّاسِ)".([1])

**أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ (وهوَ مَريضٌ)، فَقَالَ:" اكْشِفِ الْبَأْسَ، رَبَّ النَّاسِ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، ثُمَّ أَخَذَ تُرَابًا مِنْ بَطْحَانَ (أحد أودية المدينة)، فَجَعَلَهُ فِي قَدَحٍ، ثمَّ نفثَ عليهِ بماءٍ وَصَبَّهُ عَلَيْهِ" وفي رواية" ثُمَّ غَسَلَهُ بِهِ".([2])


وَفِي فَتَاوَى اللجْنَةِ الدَّائِمَةَ لِلبُحُوثِ العِلْمِيَّةِ وَالإفتَاءِ: (تَكُونُ بِالقِرَاءةِ والنَّفثِ عَلَى المرِيْضِ، سَواءً كَانَ يَرقِي نفسه أو يرقيه غيره. ومنها قراءة القرآنِ في الماءِ للمريضِ وشربه إياهُ، كَمَا في كِتابِ الطِّبِ مِن (سُنن أبي دَاوُد) بِسندٍ جَيْدٍ، وَذكَرُوا الحدِيْثَ السَّابِق).([3])




قَالَ ابْنُ كَثير:(أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ لَيْثٍ وَهُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ شِفَاءٌ مِنَ السِّحْرِ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى، تُقْرَأُ فِي إِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِ الْمَسْحُورِ).([7])

وَقَالَ مُحَمَّد بْنُ مُفلِح: (نَقَلَ عبدُ اللهِ أنَّهُ رَأى أَبَاهُ يَعُوذُ فِي الماءِ وَيَقرَأُ عَليهِ وَيَشربُهَ، وَيَصبُّ عَلَى نَفسِهِ مِنْهُ).([11])


وَقَالَ عبدُ اللهِ بْنُ الجبرين رَحمهُ الله في حُكمِ القراءةِ عَلى الماءِ والاستحمامِ فيه: (وَثبتَ عَن السَّلفِ القراءةُ في مَاءٍ ونحوهِ ثمَّ شُربُهُ، أَو الاغتسالُ بِهِ مِما يُخفِفُ الأَلم أَو يُزيلُهُ، لأنَّ كَلامَ اللهِ تَعَالى شِفَاءٌ كَمَا فِي قَولهِ تَعَالى:" قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ"([12])).([13])


إذَنْ فَالقِراءَةُ فِي الماءِ ثَابتةٌ, وَشُربُ الماءِ المقروءِ عَليهِ والاغتسالُ بهِ ثابتٌ عن السَّلفِ أيضاً, وَوُصُوله إلى العَوْرَة ضِمنَاً كَذَلِكَ؛ ولكنْ هَلْ يَجُوزُ صَبُّهُ أَوْ سَكَبُهُ في أَمَاكِن الخَلَاءِ (دَوْرَاتِ المِيَاهِ)؟


هذهِ المسألةُ فِيْهَا خِلافٌ يَسِيرٌ؛ فَالبعضُ قَالَ بِجَوَازهِ, وَالبعضُ قَالَ بِكَرَاهَتهِ, وَسَأنقلُ لَكُمْ القَوْلَين, ثُمَّ مَا يَتَرجَّحُ فِي هَذِهِ المسْأَلَةِ:

قَاْلَ عبدُ العزيز بنُ باز رَحمهُ الله عندما سُئلَ: هل يجوز الاغتسال بالماء المقروء في أماكن الخلاء؟ فأجاب: (نعم، الاغتسال بالماء المقروء في الحمام ليس فيه بأس).([14])


وقَاْلَ أَيْضَاً رَحمهُ الله: (لا حرج من الاغتسال والوضوء من ماء زمزم، وكل ماءٍ مبارك، وكذلك غسل الثيابِ به لعمومِ الأدلة، والماء المقري عليه لا بأس أن يغتسل به في الحمَّام وفي غيرِ الحمَّام).([15])


وقَاْلَ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ عندما سُئلَ:) مَا حكمُ الاغتسال بماءِ زمزم، والماء الذي قُرِئَ فيه القرآن في بيوتِ الخلاءِ؟ فَأجَابَ: (لا بأس بذلك، لأنه ليس قرآنٌ مكتوبٌ, وليسَ فيه المصحفُ مكتوباً، وإنما فيه الرِّيق، أي: النفث، والهواء الذي خالطَهُ المصحفُ، أو خالطتهُ القِراءَةُ.ومن المعلومِ أنَّ أهلَ مَكة في أَزمِنَتِهم الأولى كانوا يَسْتَعمِلُونَ ماءَ زَمزَم، ولمْ يكنْ عندهم غير مَاء زَمزم، فالصوابُ أنَّهُ لا كَرَاهَة في ذَلك، وأنَّهُ جَائِزٌ، والماء ليس فيه قرآن، إنما فيه نفث بالقرآن, وفرق بين المقامين).([16])

وَجَاءَ فِي الشَّبَكةِ الإسلَامِيِّةِ رَدَّاً عَلى السُّؤالِ: هَلْ يَجوزُ وضع ماءِ الرُّقيةِ عَلَى العَورةِ وَسَكبهَا بِالحَمَّامِ؟ الفَتْوى :(فَلا مَانِع مِن الاغتسالِ بالماءِ الذي قُرِئتْ عَليهِ الرُّقية مِن القرآنِ والسُّنَةِ، وَلو مَسَّ ذَلكَ العَورة، وَقد دَرَجَ على ذلكَ السَّلفُ دُونَ أنْ يُنكرهُ أحدٌ فِيْمَا نَعلَمُ. وَاللهُ أَعلَمُ).([17])


وَجَاءَ فِي موقع الاسلام سُؤال وجَواب, بإشرافِ الشَّيخ محمد صَالح المنجد: هَلْ يجوزُ لي أنْ أغسلَ الزيتَ المقروءَ عليهِ رُقيةٌ شَرعيّة مِن جِسمِي في الحمَّام، علماً بأنِّي أسْكُنُ في شِقةٍ مُستأجَرةٍ، ولا يوجدُ بها حوش، ولا سطح، كوني أسكنُ الدُّور الأوَّل، وَلا أقدرُ أنْ أذهبَ لمكانٍ آخر؟ الجواب: (لا حَرَجَ عَلَى المسلمِ أنْ يغتسلَ بالماءِ الذي قُرِئتْ عَليهِ آياتُ الرُّقيةِ الشَّرعيّةِ في الحمَّامَاتِ وَأمَاكن الاغتِسالِ المعرُوفَةِ، لأنَّ كَونَ وَصف الماءِ بأنهُ مَقروءٌ عَليه أَمرٌ مَعنويٌّ غيرُ مَحسُوْسٍ).([18])

وَجَاءَ فِي فَتَاوَى اللجْنَةِ الدَّائِمَةَ لِلبُحُوثِ العِلْمِيَّةِ وَالإفتَاءِ السؤال الآتي: (هَلْ يجوزُ للإنسانِ أنْ يَدهنَ بعضَ جِسمِهِ بزيتِ زيتونٍ عَليه قُرآن الرُّقية، ثمَّ يَدخلُ الحمَّامَ (بيت الخلاء)؟فَأَجَابَتْ: (نَعَم، يجوزُ للإنسانِ أنْ يَدهنَ بزيتِ الزيتونِ المقروءِ عليهِ القرآن، ولا بأسَ أنْ يدخلَ الحمَّام بعدَ ذَلك).([19])


وَجَاءَ فِي شَبَكَة مِشكَاة الإسلَاميَّة: مَا حُكمُ دَهن العَورة بالزيتِ المرقي بآياتِ القرآنِ الكريمِ أَو بالرقيةِ الشرعيِّةِ، حيثُ أجازَ بعضُ الرُّقاةِ دَهنَ العورة بهذا الزيتِ وأكثر من ذلك أجازوا أن تحتقنَ المرأةُ المتزوجةُ في المهبلِ بهذا الزيتِ أمَّا البكر فتضع حفّاظ نسائي عليه هذا الزيت وتتحفظ به على العورة وهذا في نظر الرقاة علاجٌ لمن ابتلاها الله بسحرِ الأرحامِ أو بالجنِّ العاشق؛ فما حُكمُ هذا؛ ألا يعتبرُ امتهانٌ للقرآنِ ونتشبه بالسَّحَرةِ في بعضِ أعمالهِم, أفتونا مَأجورين, وجزاكم الله خيراً؟

الفَتْوى: يَجُوزُ دَهْن العَورةِ بالزيتِ الذِي نُفِثَت فيه الرُّقْيَة الشرعية؛ وَقد قَررّ شيخُ الإسلامِ ابْنُ تَيْمِيَة أنَّ (أَثَرَ الْكِتَابَةِ لَمْ يَبْقَ بَعْدَ الْمَحْوِ كِتَابَةً، وَلا يَحْرُمْ عَلَى الْجُنُبِ مَسُّهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةٌ كَحُرْمَتِهِ مَا دَامَ الْقُرْآنُ وَالذِّكْرُ مَكْتُوبَانِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ صِيغَ فِضَّةٌ أَوْ ذَهَبٌ أَوْ نُحَاسٌ عَلَى صُورَةِ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ، أَوْ نُقِشَ حَجَرٌ عَلَى ذَلِكَ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ ثُمَّ غُيِّرَتْ تِلْكَ الصِّيَاغَةُ وَتَغَيَّرَ الْحَجَرُ لَمْ يَجِبْ لِتِلْكَ الْمَادَّةِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا كَانَ لَهَا حِينَ الْكِتَابَةِ). اهـ

ويُقالُ مثلُ ذلكَ في الماءِ الذي قُرئ فِيهِ، فَإنَّهُ لا يَبقى أَثرٌ للقِراءةِ، فَيَجُوزُ الاغتسالُ بهِ في دوراتِ المياهِ. ومثله الزيت الذي نَفَث فيه القارئُ، فَيَجُوزُ الإدِّهَانُ بهِ في مَوضِعِ العَورةِ؛ لأنَّ أثَرَ النَّفثِ غَير بَاقٍ.

وسُئلَ شَيْخُنَا ابْن عثيمين رحمه الله :هلْ يجوز للحائضِ أنْ تَسْتَحِمّ بِمَاء الرُّقْيَة؟
فأجابَ: (نعم، لا أرى في هذا بأساً؛ لأن ماء الرُّقْيَة ليست به كتابة القرآن، وليس به شيء يعتبر محترما مِن القرآن، إنما هو ريق القارئ يُؤثِّر بأذنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ).

وسُئلَ شَيْخُنَا ابن جبرين رحمه الله :هل يجوز الاغتسال بماء السِّدر الذي قُرئ فيه، وذلك للاستشفاء؟ وإذا كان جائزا فهل يجوز فِعله في الحمّام أعزّكم الله؟
فأجاب: (لا بأس بذلك؛ لأن القرآن الذي هو كلام الله عَرَضٌ ليسَ له جُرْم ظاهِر، ولكن هذا القرآن يُؤثِّر بإذن الله في شفاء المريض، أو في إزالة الألم الذي يحسّ بهِ، أو ما أشبَه ذلك.

فلا مانِع مِن أن يغتسل به داخل المراحيض والحمّام ونحوها، ولا مانِع مِن أن يستشفي به كيفما شاء؛ اغتسالا أو شُربا أو غير ذلك مِن أنواع الاستعمال).([20])
وسئل الشيخ صالح الفوزان: هل يجوز للإنسان أن يغتسل بالماء المقروء به في دورة المياه؟فأجاب: (ما في مانع، أن يغتسل بالماء المقروء به في دورة المياه).([21]) ([22])


وَجَاءَ فِي برنامج الجواب الكافي سُؤال للشيخِ الدكتورِ خالد المصلح: مَا حُكم استعمالِ الماءِ الذي قُرِئَ فيه للاستِحمامِ دَاخل دَورَاتِ المياهِ, وكذلكَ الزَّيت الذي قُرِئَ فيه إذا وضعَ على الشَّعرِ, فهلْ يجوزُ غسله دَاخل دَوراتِ المياهِ؟ فَأجَابَ: (هذا السؤال يتكرر كثيراً والذي يظهرُ أن الأمرَ في هذا واسعٌ, وإذا استعمل مثل هذا الماء في الاغتسالِ في دوراتِ المياهِ أو أنه ادَّهن بزيتٍ أو غيره وغسله في دوراتِ المياهِ لا حَرَجَ في هذا فيما يَظهر؛ لكنْ لوْ أنَّ الإنسانَ تَوقَّى مِثل هذا لكانَ ذلكَ أفضل ولعله يُؤجرُ على تعظيمهِ الماء الذي قُرِئَ فيه؛ لأنَّ ذلكَ تعظيم للقرآن وليس تعظيم للماءِ ذاته، المُهِمُّ: أنَّهُ إذا غَسَلَ ذَلكَ في دورةِ المياهِ فلا حَرَجَ, وَلا أَعلمُ في السُّنةِ مَا يَمنعُ مِنْ ذَلِك).([23])

وَجَاءَ فِي برنامج فَتَاوى النَّاس سُؤال للشيخِ مُصطفى العدوي: هلْ يجوزُ الاسْتِحمَامُ بَعدَ مَسْحِ الجسمِ بِزَيتٍ مَقْرُوءٍ فيهِ قُرآن؟ فَأجَابَ: (نعم يجوزُ ذلكَ, يجوزُ الاسْتِحمَامُ بَعدَ مَسْحِ الجسمِ بِزَيتٍ مَقْرُوءٍ فيهِ قُرآن, لا مَانِعَ مِنْ ذَلكَ).([24])


أَقُولُ: وَهُنَالكَ الكَثيرُ الكَثيرُ مِن الفَتَاوَى المكتُوبَةِ وَالمسْمُوَعَةِ وَالمرئِيةِ لِشُيُوخٍ وَعُلَمَاء أَفَاضَل ثَقَاةٍ: تَقولُ بِالإبَاحَةِ وَالجوَازِ. أنْظُرْ الحَاشِيَةَ ([25])

أما القول الثاني وهو الكراهة لذلك:

في الآداب الشرعية؛ قال الخلال: إنما كره الغسل به، لأن العادة أن ماء الغسل يجري في البلاليع والحشوش، فوجب أن ينزه ماء القرآن من ذلك، ولا يكره شربه لما فيه من الاستشفاء).([26])


سُئِل الشيخ عبدالله بن الجبرين عن حكم الاستحمام بالماء المقروء عليه في أماكن الخلاء ؟فَأجَابَ: (نرى احترام هذا الماء الذي قد قرأ فيه أحد الناصحين ونفث فيه بآيات من كتاب الله تعالى، كآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة وآخر سورة الحشر والفاتحة والمعوذتين وسورتي الإخلاص ونحوها، فهذا الماء اكتسب شرفا وأثرا حسنا، فمن احترام كلام الله تعالى أن لا يهراق مع النجاسات والاقذار ، وأن يستعمل في داخل الكنف والمراحيض كما يدخل الكنيف بشيء فيه ذكر الله من أوراق وخاتم أو نحوها فعلى هذا إذا أراد أن يغتسل به فإن عليه أن يستعمله في مكان نظيف كغرفة أو خدر أو سطح أو نحوها).([27])

قال الأستاذ عبدالعزيز القحطاني: (لذلك فلا يجوز التعدي من باب "من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل" ولا أن نأمر الممسوس بالغسل في أماكن الحشوش والكنيف بماء رقية حرصاً على عدم مخالطة كلام الرب بالنجاسات).([28])


الخلاصة:

القِراءَةُ فِي الماءِ الطَّاهِرِ ثَابتةٌ, وَشُربُ الماءِ المقروءِ عَليهِ والاغتسالُ بهِ ثابتٌ عن السَّلفِ أيضاً, وَوُصُوله إلى العَوْرَة كَذَلِكَ؛ وأنَّ جمهور العلماءِ أَجازوا الاغتسالَ بهِ وَأنْ يُهراقَ في أَمَاكِن الخَلَاءِ أو دَوْرَاتِ المِيَاهِ, فَلا دَلِيل يَمنَعُ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ, وَالأصلُ هُوَ الحِلُّ؛فالْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ؛ كَمَا ذَهَبَ إليهِ الجُمهُورُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ؛ لقولهِ تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً}.([29]){وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}.([30]) ولقولِ رَسولِ اللهِصلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "ما أحلَّ اللهُ في كتابهِ فهوَ حلالٌ، وما حرَّمَ فهوَ حرامٌ، وما سكتَ عنهُ فهوَ عفوٌ، فاقبلوا منَ اللهِ عافيتَهُ، فإنَّ اللهَ لم يكن لينسَى شيئًا وتلا: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}([31])".([32]) فلو كان في ذلكَ حرجٌ لَبُيِّنَ لَنَا.


ولِذلكَ أَباحُوا الاغتسالَ بهِ وَأنْ يُسكَبُ دَوْرَاتِ المِيَاهِ. وَمَنْ قَالَ بِكَرَاهَتهِ أرادَ أنْ يحتاطَ لِمَا هُوَ أَوْلَى؛ ولو كان خلاف الأولى، فهوَ من أقسام الجواز. ولو وُجِدَتْ الكَرَاهةُ؛ فَهيَ تزولُ بِالمشَقَّةِ, وَلِمَا فِي ذَلكَ مِنْ تَيسيرٍ وَرفعِ المشَقَّةِ عَن المسْلِمِينَ, وقد يتعذر على البعض الاغتسال بمكانٍ آخر, كالمرأةِ مَثَلاً, أو من يسكن في شقة صغيرة بطابقٍ غير الأرضي, وغير ذلكَ. ومَاءُ زَمْزَم المبَارَك كَانَ أهلُ مَكة يَسْتَعمِلُونَهُ لِلِاغتسالِ وَالوُضُوءِ وغسل الثيابِ. وهذا مَا يَتَرجَّحُ فِي هَذِهِ المسْأَلَةِ, والله أعلم.







سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

وصلِّ اللهمَّ وسلمْ وبارك وترحَّم على عبدك ورسولك محمد النبي الأعظم وعلى اله وصحبه أجمعين, والحمد لله رب العالمين.